سباق المظلومية في سوريا

من هو المظلوم أكثر؟ كيف دخل السوريون في سباق مظلومية لا ينتهي




خلق شعور المظلومية عند كل طائفة بالمجتمع السوري حالة تقوقع على الذات لكل طائفة، وساهم بتعزيزها غياب الهوية الوطنية السورية الجامعة، وولّد هاد الشعور الخوف من التانيين، وسبب حالة انعدام للثقة بين السوريين، وهو سبب دائم وأساسي لاستمرار الخطاب التحريضي بالمجتمع.

استعرضنا سابقاً كتير عن تاريخ وجذور الفكر الطائفي والمتطرف، ودور المستعمر فيو، اللي البعض بيعتقد أنو هو وليدة الحدث اللي رافق سقوط نظام الأسد، بس الواقع إنو هي الأفكار صارت مرئية وظاهرة بسقوطو.

مقالات سابقة عن تاريخ التطرف وأسبابو:

شو هي المظلومية الطائفية؟ 

هي تحول المعاناة التاريخية الواقعية أو المتخيلة لقصة جماعية لتبرير تبني مواقف سياسية من أحداث عم تصير.

سوريا الطبيعية عاشت أحداث كتيرة تعرضت فيه كتير جماعات لأنواع من الانتهاكات والتمييز، وعاشت أنواع من العنف، وهاد الشي ما منقدر نحصرو بفئة وحدة لأنو على امتداد التاريخ السوري الكل كان بمرحلة من المراحل ظالم ومراحل تانية مظلوم، أمّا اليوم فتبني الكل بالدولة الحديثة دور المظلوم عم يخلق نوع من أنواع السباقات (مين مظلوم أكتر؟) هي السباقات عم تعزز الانفسامات بالمجتمع، وعم تحيي أحداث قديمة، وتقوقعو أكتر على بعضو، حتى عند جيل جديد مبتعد تماماً عن الدين خاصة ببعض الطوائف، بس بشكل أو بآخر بيعتبر حالو جزء من هي السردية لليوم، وعم يختار الإنتماء المذهبي والطائفي على حساب الوطني.

العلوي خايف من العنف والتهميش من الدولة الجديدة، خاصة بسبب الربط اللي صار مع النظام السابق.

السني حاسس بالإقصاء السياسي استمر لسنين، وعم يصور حالو كأغلبية مسحوقة.

المسيحي عندو خوف وتوجس من الإسلام السياسي.

وطبعا مخاوف مشابهة عند الدرزي والإسماعيلي والشيعي وغيرهن، ولكل طائفة سرديتها التاريخية، وأحداث معينة تَذكُرها عم يعزز مشاعر الخوف والتوجّس من التانيين، وللأسف مشاعر الخوف (الطبيعية) عم تكون أداة لبعض رجال دين الطوائف للتعبئة، وعم تكون مبرر أحيانا لحمل السلاح، واستخدام العنف، أو التمرد والعصيان، بحجة حماية الوجود، والدفاع عن الذات.

اللغة المستخدمة بخطاب أصحاب الروايات المظلومية (هنن، نحن) أساسي للتعبئة الطائفية، وليخلي الفرد يحس حالو جزء من جماعة، ومصيرو من مصيرها، بمواجهة جماعة تانية بتمثل البعبع. وللأسف الخطاب الشعبوي، والطائفي سرعة انتشارو على وسائل التواصل الاجتماعية كبير كتير، وعم يعزز مشاعر الخوف من التانيين.

خطاب المظلومية بيلغي الهوية الوطنية، وبيعطل مفهوم المواطنة، وبيمنع حتى الضحية نفسها يكون ألها رأي وطني جامع، وبيصير صاحب أي موقف وطني خاين بنظر بعض رجال الدين المتطرفين من الطائفة اللي بينتمي إلها، ومن كل المستفيدين من خطاب الشعبوية المظلوميّة، فمنسمع مصطلحات متل "سني كيوت" لسني رفض العنف ضد طائفة تانية، و"علوي متسنّن" لعلوي رفض الأفكار الانفصالية و"درزي داعشي" لدرزي رفض التدخل الخارجي العسكري بسوريا. 

سباق المظلوميّة الطائفية اليوم بسوريا مالو نهاية، وكل طرف عندو كتير من السرديات اللي منها واقعي ومنها مبالغ ومنها خيالي، وهي استمرار لحالة دوران بحلقة مفرغة ما بتفيد سوريا، ولا بتحمي الطائفة بشكل حقيقي، وبتحافظ على حالة التقوقع عندها.

الحقيقة كلنا ضحايا وكلنا ظالمين بس المهم اليوم نكون متصالحين بين بعض لنقدر نمشي لقدام ونتجاوز هاد النوع من الخطاب.

النهضة بسوريا بتحتاج أولا نعرف مين نحن؟ ومين هنن؟ وهيك نوع من الخطابات لوين بيوصلنا؟ النهضة بتحتاج خطاب وطني جامع يكون أقوى بالحجج والمنطق من الخطاب الشعبوي والمظلومية، يسلط الضو على كل الطوائف وعلى كل المظلوميات، وما يحمل الجيل الحالي مسؤولية أي حدث تاريخي، ودولة قادرة تحقق عدالة انتقالية تضمن حقوق كل مواطن بغض النظر عن طائفتو، ويقدر يحسس السوري أنو أي استهداف لأي مكون سوري هو استهداف للجميع، وأنو دم السوري على السوري حرام، وأي مجرم بغض النظر عن انتمائو وبغض النظر عن انتماء ضحيتو لازم يتحاسب.

طبعاً تبني الخطاب الوطني الجامع هو مسؤولية كبيرة على الإعلام السوري والمؤثرين السوريين وكل النشطاء والصحفيين المعنيين بالشأن السياسي والاجتماعي السوري، ولا شك للمناهج التعليمية دور مهم وأساسي بزرع الأفكار الوطنية عند الجيل الجديد، ووجود قوانين رادعة للحض من الخطاب الطائفي ضرورة شرط تكون منصفة وتحاسب المحرضين وما تكون أداة للحد من حرية الرأي، وأخيراً لازم كشعب سوري نحاول نكسر الحواجز الوهمية بيناتنا كطوائف ونحاول نتعرف على بعضنا كسوريين ونسمع وجع بعضنا، وآلامنا، وكل قضايانا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق