التقوقع الطائفي عند السوري
نصف قرن من تغييب الممارسة السياسية رمت سوريا في حضن الطوائف
بالمجتمعات المستقرة والطبيعية، الناس بتختلف عالضرائب، الحريات، توزيع الثروة، سياسة الدولة الخارجية، دعم الدولة لقطاعات معينة، سياسات داخلية للحكومة، …إلخ، بيختافو بالسياسة، بإطار قواعد لعبة واضحة: أحزاب، إنتخابات، نقابات و صحافة حرة.
بس شو بصير اذا تسكرت هالقنوات السياسية؟
لما بتقرر سلطة معينة أنها تمنع أي شكل من أشكال التعبير السياسي الحر، بتبلش الناس تدور عبديل أو عن هوية تانية بتعبر عن مصالحهن وتطلعاتهن.
البديل السهل والمتوفر؟ الطائفة.
الطائفة ما بتظهر لأنو الناس بحبوها بالضرورة، بتظهر لأنها بتصير ملجأ للخايف واللي مو طالع بإيدو شي. بتصير الطائفة هي شبكة الأمان الاجتماعي والاقتصادي اللي بتقدم الحماية والوظيفة والهوية لما تفشل السياسة بتمثيل الناس. يعني بتتحول الخلافات عن الاقتصاد والحقوق لخلافات عن العقيدة والانتماء اللي بتاخد بأغلب الأحيان مسار التخوين والتجييش الطائفي و إثارة الأحقاد.
سوريا: كيف حولنا الممارسة السياسة إلى طائفية؟
بالخمسين سنة الماضية بسوريا تحت حكم الأسدين تفرغت الساحة السياسية بشكل مقصود، صارت الأحزاب مو أكتر من أدوات للسلطة، النقابات صارت أبواق للسلطة، الصحافة انخنقت وما عاد عندها إلا بروتوكول السلطة تمشي عليه، والشخصيات الوطنية الصادقة تغيبت أو تهمشت أو تهجرت أو حتى انقتلت. بعدها إجت الثورة اللي تم مواجهتها بالقمع الوحشي اللي سكر أبواب السياسة "للأبد". كمان لما غابت الأحزاب المدنية المستقلة، صارت بعض الفصائل اللي انتجتها الثورة أدوات طائفية، وللأسف انتشرت هي العدوى لشرائح تانية من المجتمع السوري اللي لما شافت التهديد والوعيد تقوقعت على نفسها، وتضامنت مع بعضها على أساس الانتماء الطائفي مو المدني والسياسي.
المستقبل؟
الخلاف السياسي بينحل بالتفاوض والتنازلات والإصلاح، أمّا الخلاف الطائفي بينتهي دائما بالمذابح والتطهير العرقي والتهجير والخراب.
لهيك كل ما انقمعت السياسة وتسكرت أبوابها، كل ما عليت الأصوات والعصبيات الطائفية. هلق صار وقت نرجع نفتح المجال العام، وندعم الأحزاب المدنية المستقلة، نشجع عالصحافة الحرة حتى لو ما بيعجبنا شو عم تنشر، وأهم شي نرجع نعرِّف الخلافات من جديد لتصير خلافات على أساس مصالح وحقوق بدل ما تكون على أساس الهويات المغلقة.
هلأ … قبل ما تبلعنا الطائفية كلنا ونترحم عأيام أكتر حدا ظلمنا وشتتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق