حرب الدروز والموارنة 1860

حرب السوريين الأهلية الأولى وأول نزاعاتهم الطائفية والدينية




تعتبر الأحداث اللي صارت بين الدروز والموارنة بين عامي 1840-1860 الحرب الأهلية السورية الأولى اللي صارت أحداثها بالقسم الشمالي من سوريا الطبيعية واللي وصلت ذروتها بحدوث مجازر كبيرة عام 1860 (حوادث الستين) واستدعت تدخل السلطات العثمانية وقوى دولية لإيقافها والسيطرة على الأمور.

تسمت هي الحرب الأهلية بمقتلة أو مذبحة الدروز والموارنة وسماها الأتراك العثمانيين (Şam olayı) أحداث الشام.

هاد الصراع اللي يعتبر واحد من أقدم الصراعات التاريخية في سوريا الطبيعية بين السوريين واللي بتقول مصادر بيرجع لنهاية القرن 11 بالحملة الصليبية على القدس كان سبب كمان بأول تدخل عسكري دولي في سوريا.

بـ 3 أيلول عام 1840 عين السلطان العثماني عبد المجيد الأول بشير الثالث كآخر أمير على جبل لبنان وكانت تشكل إمارة لبنان حاليا القسم الأوسط من لبنان الحالي وكان أغلب سكانه من الدروز والموارنة.

بلشت الخلافات بين الموارنة والدروز بعد تعيين بشير الثالث وهاد اللي خلى السلطان عبد المجيد يعزله ويعين مكانه عمر باشا في 13 كانون التاني عام 1842 بس الخلافات والمشاكل بين الطرفين زادت أكتر، فاقترح ممثلين عن الدول الأوروبية على السلطان تقسيم جبل لبنان لمنطقتين منطقة مارونية ومنطقة درزية وتبنى السلطان الاقتراح وطلب من أسعد باشا حاكم دمشق لتقسيم المنطقة في 7 كانون الأول 1842 منطقة شمالية تحت حاكم نائب مسيحي ومنطقة جنوبية بحكم نائب درزي.

السلطان العثماني عبد المجيد الأول

هاد التقسيم انعرف بـ "القائمقامية المزدوجة" وكان النائبين المعينين تابعين لحاكم صيدا اللي نقل مكان اقامته لبيروت واعتبر طريق دمشق بيروت الخط الفاصل بين هي المنطقتين.

التقسيم كان هش وزاد الخصومة والنزاع بين الطرفين بسبب تدخلات القوى الأجنبية فالفرنسيين دعمو الموارنة والإنكليز دعمو الدروز والعثمانيين حرضو على الصراع ليثبتو حكمهن بسوريا.

بعام 1845 طلب الأوروبيين من السلطان أعادت النظام للمنطقة اللي ضلت التوترات فيها رغم التقسيم وهاد اللي دفع السلطان للأمر بتشكيل مجالس جديدة بتمثل المجتمعات الدينية.

فشل هذا النظام بالحفاظ على الاستقرار خصوصا بعد تمرد الفلاحين الموارنة في كسروان على ممارسات الإقطاعيين الدروز. 

بعام 1858 طالب طانيوس شاهين، واحد من قادة الفلاحين الموارنة، بإلغاء امتيازات الطبقة الإقطاعية. ولما انرفض طلبه، بلش الفلاحين الفقراء التحضير للثورة. وبلشت في كانون الثاني 1859، وقت ترأس شاهين انتفاضة مسلحة. واستهدفت الانتفاضة مشايخ جبل لبنان، فنهبت أراضيهن وحرقت بيوتهن.


مقاتلين موارنة مسيحيين عام 1860

قدرو الفلاحين من السيطرة على معظم أراضي كسروان وطرد الإقطاعيين الدروز منها وأسسو حكمهن فيها، وأدت نتائج الانتفاضة على تشجيع الفلاحين الموارنة بمناطق تانية فانتشرت الاضرابات اكتر بمناطق جبل لبنان ووصلت للاذقية.

دعم رجال الدين الموارنة الفلاحين وحرضوهن على الثورة على الإقطاعين الدروز، وبالمقابل بلش الإقطاعيين الدروز بتسليح رعايهن من الطائفة بدعم من الوالي العثماني خورشيد باشا.

تفاقمت الأمور كتير لدرجة أنو هدد البطريرك الماروني بولس بطرس مسعد، الأمير الدرزي مصطفى باشا، بطرد الدروز من لبنان بجيش بقوة عسكرية مؤلفة من 300,000. وبلشت بعدها الحرب بين الطرفين بأيار عام 1860 وتدمرت خلالها ٦٠ ضيعة جنب بيروت وانقتل بالأيام التلاتة الأولى 33 مسيحي و48 درزي. 

بحزيران امتدت الاضطرابات لأحياء مختلطة من جنوب لبنان، وجبال لبنان الشرقية، وحتى صيدا وحاصبيا وراشيا ودير القمر وزحلة.

قرية في كسروان

عملو الفلاحين الدروز حصار على الأديرة الكاثوليكية والبعثات وحرقوها وقتلو رهبانها. امتدت المجازر لزحلة واللاذقية في 8 تموز و 9 تموز.

في دمشق نظمت جماعات شبه عسكرية درزية ومسلمة المذابح بالتواطؤ من السلطات العسكرية العثمانية، استمرت 3 أيام (9-11 تموز)، انقتل خلالها 25 ألف مسيحي كان من بيناتهن أفراد من البعثات الأجنبية متل القنصل الأمريكي والهولندي. 

بهي الفترة تم حرق الكنائس والمدارس التبشيرية. بس بعض المتنفذين من المسلمين اشتغلو على إنقاذ وحماية المسيحيين من أبرزهن عبد القادر الجزائري اللي استضاف عدد كبير من المسيحيين بمقر إقامته وبقلعة دمشق.

خلال هي المجازر اتدمرت حارة النصارى في دمشق القديمة واللي كان يسكنها الكاثوليك وكان يقيم فيها الطبقة البرجوازية الصناعية التجارية بشكل كامل، وشمل العنف تدمير عدد من الكنائس القديمة.

الحي المسيحي في دمشق مباشرة بعد المذبحة عام 1860

بحي الميدان الفقير واللي كان خارج سور المدينة نجا المسيحيين من سكانه وأغلبيتهن من الأرثوذكس معظم بفضل حماية جيرانهن المسلمين الهن.

بسبب هي الأحداث وبناء على الاتفاقية الموقعة بين الامبراطورية العثمانية وفرنسا عام 1535، وافق العثمانيين على دخول قوة أوروبية قوامها 12 ألف جندي في 3 آب لإعادة النظام وحماية المسيحيين.

في 5 تشرين الأول 1860، اجتمعت لجنة دولية مؤلفة من فرنسا والمملكة المتحدة، والنمسا وروسيا والإمبراطورية العثمانية للتحقيق في أسباب أحداث 1860 والتوصية بنظام إداري وقضائي جديد للبنان مشان ما تتكرر الأحداث. 

أقر أعضاء اللجنة تم تشكيل نظام جديد عام 1861 فصل لبنان عن سوريا ووحده على هيئة متصرفية تحت سيطرة حكم مسيحي يعين من طرف السلطان العثماني وبموافقة القوى الأوروبية، وبعاونه مجلس إداري مكون من 12 عضو من مختلف الطوائف الدينية في لبنان.

رسمة لجنود فرنسيين قرب بيروت عام 1860

نشرت فرنسا قوة مؤلفة من 6 آلاف جندي لحماية النظام بحسب الاتفاق، على أن ترسل دول تانية قوات إضافية إذا لزم، ويعتبر التدخل الفرنسي واحد من التدخلات الإنسانية الأولى في تاريخ العالم. وبالرغم من إخماد العثمانيين للاضطرابات قبل ما تصل هي البعثة، بس تمركز فيلق مشاة فرنسي في سوريا من آب 1860 لحزيران 1861 وهاد التواجد العسكري كان يعتبر أول قوات حفظ سلام في التاريخ حسب المؤرخين. 

تسببت هي الأحداث حسب صحيفة ديلي نيوز الإنكليزية في تموز 1860 أنو بين 7 آلاف و8 آلاف انقتلو وترملت 5 آلاف امرأة وتيتم 16 ألف طفل، وقدر المؤرخ جيمس لويس فارلي، أنو الأضرار بلغت حوالي 326 قرية و 560 كنيسة و28 مدرسة، و42 دير و9 مؤسسات دينية. وقدر شارلز تشرشل أعداد القتلى بـ 11 ألف بالإضافة إلى 100 ألف لاجئ وحوالي 20 ألف أرملة ويتيم أغلبهن الساحقة من المسيحية الموارنة بالإضافة لأضرار أقتصادية ضخمة، وضيع بأكملها اسلمت لتفادي عملية الإبادة في الجليل الأعلى وصيدا وصور وفتحت الأحداث باب الهجرة المسيحية من الشرق.


الحي المسيحي في دمشق عام 1862 ويظهر الشارع المستقيم مع الكنيسة المريمية المحروقة (البناء العالي إلى اليسار)

عيّن السلطان عبد المجيد الأول، فؤاد باشا حاكم على الشام مخول بصلاحيات استثنائية، وقاد فؤاد باشا حملة اعتقالات كبيرة بحق المتورطين بالمذابح ضد المسيحيين، فأعدم رمي بالرصاص 111 شخص، وشنق 57 تانيين، وحكم بالأشغال الشاقة على 325 شخص ونفى 145 وكان من بين المحكومين موظفين كبار بالدولة في الشام منهن إمام ومفتي دمشق اللي تم اتهامهن بالتحريض نفيهن لقبرص مع الأعمال الشاقة مدى الحياة، وانحكم على حاكم دمشق العثماني أحمد باشا بالموت رمياً بالرصاص مع علي بيك قائد الفرقة اللي تم توكيلها بمهمة حماية الحي المسيحي.

كان لهي الأحداث دور كبير في تاريخ سوريا ولبنان وساهمت بشكل أو بآخر بالتركيبية الاجتماعية الطائفية بالمنطقة لليوم حتى أنو الحروب الأهلية الطائفية اللي شهدتها المنطقة بلبنان وسوريا كانت نسخة شبيهة متجسدة للحروب الأهلية السورية القائمة على استغلال رجال الدين لحقوق الأكترية المضطهدة وتسخير الغضب وتغذيته بشكل طائفي لمصالح شخصية للقادة والزعماء، وكل عادة بواجه العنف عنف أكبر مضاد وبدفع تمنه أفقر الفقراء وعامة الشعب.

المصادر:

(1) كتاب "النزاع على الجبل" لمكرم رباح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

after_content

after_title