زنوبيا ملكة تدمر الأسطورية
المرأة السورية التي هزت عرش روما وصنعت للسوريين أول إمبراطورية في تاريخهم
بعض الرومان اعتبروا زنوبيا من "النساء الخطرات" فكانوا بشوفوا من غير المقبول أنو النساء تحكم الرجال، وكانوا يشوفوا بهاد الشي رمز للانحطاط والفوضى، فالثقافة الرومانية، كان فيها نوع من الفصل فالمجال النسائي (البيت، الأسرة) والمجال الذكري (الحرب، السياسة، الحكم) والفصل بين المجالين كان مقدس، وأي امرأة بتتجاوز هاد الحد كانت تُعتبر مخالفة للنظام الكوني تقريباً، لهيك كانت زنوبيا بالنسبة ألهن عدوّة سياسية وعسكرية عم تحسسهن بالتناقض، فهي امرأة (رمز الضعف بنظرهن) بس بنفس الوقت ند قوي ألهن وهاد كان مفهوم غيرمريح لعقلهن بهداك الزمن.
بين اللي بيرويه الخيال الشعبي العروبي والغربي المتكبر، وبين ما بتثبتو المصادر الأثرية، بتتشكل صورة معقدة لإمرأة سورية جمعت بين الطموح السياسي، والذكاء الثقافي بزمن شهد صراع القوى الكبرى.
بهاد المقال رح نحاول نصحح المفاهيم الشائعة عن زنوبيا، من خلال الاعتماد على النقوش والوثائق التاريخية المعاصرة لحكمها.
زنوبيا تعتبر وحدة من أكتر الشخصيات النسائية بروز في تاريخ الشرق القديم، جمعت بين الذكاء السياسي، والطموح العسكري، والثقافة الواسعة، حكمت تدمر بالقرن التالت الميلادي، ووسعت نفوذها لتأسس إمبراطورية ضمت بلاد المشرق ومصر وآسيا الصغرى، بتوصفها الباحثة ليلى سالم (Leila Salem) بمقالها المنشور في Journal for Semitics (UNISA Press, 2023) بأنها "رمز للهوية الشرقية المقاومة للهيمنة الرومانية" وأشارت بمنشورها لأصولها الآرامية وجذورها السورية الممتدة بتدمر القديمة.
اسم زنوبيا الأصلي كان Bat-Zabbai أي "بنت زَبّاي" وهو اسم من الجذر الآرامي، وهاد بدل على أصولها الآرامية، ومو العربية لأنو حتى مع وجود قبائل عربية بالمنطقة ما بيعني أنو المنطقة صارت عربية، بل بيعني تقبل السوريين بهداك الوقت للاختلافات العرقية او الثقافية اللي كانت موجودة بوقتها. (مقال: تدمر سورية .. ليست عربية)
زنوبيا ولدت تقريبا بعام 240 ميلادي لعيلة نبيلة متل ما بتذكر أغلب المصادر في مدينة تدمر، المدينة اللي أسّسها الآراميين واللي بتشير نقوش معبد بِل لاستخدام الآرامية في الحياة الدينية والسياسية بتدمر حتى القرن التالت، اللغة والرموز المنقوشة في آثار تدمر تؤكد انتشار الآرامية هنيك كتابة ونطق، وبالتالي زنوبيا كانت بتحكي اللغة الآرامية التدمريّة (Palmyrene Aramaic)، وهي لهجة آرامية خاصة بسكان تدمر، ولجانب لغتها الأم أتقنت اليونانية والمصرية وممكن اللاتينية وحتى الفارسية كمان، نتيجة الانفتاح الهليني والروماني بالمنطقة، يعني كانت متعلمة وواعية ثقافيًا، درست الفلسفة والعلوم واللغات، ما كانت مجرد محاربة، بل كانت مثقفة تتقن اللغات الكلاسيكية وتتبنّى نموذج الملكة الفيلسوفة، وهاد الي خلاها تتقدم بالفن الأوروبي كرمز للحكمة والشجاعة الأنثوية، هوايتها المفضلة في طفولتها الصيد، وأثبتت أنها فارسة شجاعة وبارعة، ومع هيك، الكتير من المصادر القديمة بتشير لصفة وحدة بالذات، أنها كانت بتتمتع بجمال استثنائي، أسرت قلوب الرجال يجميع أنحاء سوريا بجمالها الأخّاذ وسحرها اللي ما بيتقاوم.
تزوجت زنوبيا من أذينة (Odaenathus) حاكم تدمر، اللي كان حليف لروما بمواجهة الفرس الساسانيين، وبعد اغتيالو عام 267 تسلمت زنوبيا الحكم وصيّة على ابنها الصغير وهب اللات (Vaballathus).
الملك أذينة موحد سوريا
أكبر توسع لإمبراطورية تدمر تحت حكم زنوبيا
الإمبراطور أورليان نجح بالسنين الأولى من حكمو بتحقيق ما تم اعتبارو إنجاز عظيم لروما، وهو إعادة توحيد الإمبراطورية الرومانية بعد أن كانت منقسمة لأكتر من جيل و بلغ هاد الإنجاز ذروتو لما هزم ملكة قوية متمردة أجنبية، هي زنوبيا السورية ملكة تدمر. (مقال: الكاتافراكت سلاح تدمر الذي دمرها)
بعام 271 بعت الإمبراطور أورليان جيش لاستعادة السيطرة على الشرق، وبعد سلسلة من المعارك، أنأسرت زنوبيا جنب نهر الفرات بوقت محاولتها تطلب المساعدة من الفرس.
تمثال يجسد زنوبيا الأسيرة
مصير زنوبيا بعد أسرها بتختلف فيو الروايات، بعض المصادر بتقول إنها انتقلت لروما ونأسرت هنيك حتى وفاتها، وروايات بتقول أنها عاشت حياة مكرّمة في قصر فخم حنب تيبور(تيفولي) بإيطاليا حالياً.
المصادر الرومانية بتصفها بالقوة والذكاء وأنها سياسية محنكة وعسكرية بارعة، وممكن نقول أنو وصف جمالها وصفاتها الشخصية كان لتأكيد قوتها، وفق للتحيز الجنسي للرواة، فغالباً ما بيتم تقييم النساء بناء على الجمال والفضيلة أكتر من القدرات الحقيقية.
بس المهم أنو زنوبيا تعتبر تجسيد لهوية سورية مميزة، مثّلت مزيج من الشرق والغرب في الفكر والسياسة، وقدرت أنها تعزز التسامح الثقافي بين شعب سوريا الي استمر لفترات قريبة من تاريخ سوريا الحديث. (مقال: التقاليد السورية بالحرية الدينية)
بعد قرون من سقوط تدمر بقيت زنوبيا بالذاكرة التاريخية كرمز للمرأة السورية القادرة على الجمع بين الجمال مع الحزم والارادة والعقل والثقافة، وكيف المرأة السورية قادرة على السلطة والإدارة والدفاع عن أرضها، ومنشوف هالشي بيتجسد إذا صح التعبير بـ "حفيدات زنوبيا" السوريات اللي ساهموا بتطوير سوريا و قاوموا وحاربوا وناضلوا ضد الظلم والاحتلال لجانب الرجال السوريين أكيد عبر كل تاريخ سوريا.
زنوبيا مو مجرد ملكة عابرة في تاريخ الشرق القديم، بل كانت ظاهرة فريدة بتمثل روح سوريا في أوج ازدهارها الثقافي والسياسي، لغتها آرامية، أرضها سورية، وحلمها كان بناء دولة مستقلة بوجه الإمبراطورية الرومانية اللي احتلت أرضها، سقوطها أكيد ما كان نهاية، بل بداية لسيرة خالدة ألهمت المؤرخين، والفنانين على مدى قرون، وهي رمز المرأة السورية لحد اليوم.
زنوبيا رمز للمقاومة الشرقية ضد الإمبراطورية الغربية، سقوطها ما كان نهاية لتاريخ تدمر بل بداية لتحولها لرمز حضاري خالد، وهاد الي منلاحظو اليوم بالسوريين أو الأجانب لما بينذكر حضارات أو ملكات سوريات أول ما بيجي على أذهانهن هو تدمر ملكتها زنوبيا.




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق