الاحتلال العثماني لسوريا

أربع قرون حول العثمانيون سوريا إلى ساحات للتجويع والقمع والإعدامات




كانت معركة مرج دابق في شمال حلب اللي صارت بـ 24 آب عام 1516 لحظة مفصلية بتاريخ سوريا الطبيعية (بلاد الشام) فالمعركة اللي قدر فيها السلطان سليم الاول هزيمة جيش المماليك فتحت ألو أبواب سوريا الطبيعية وبلشت تسقط المدن السورية ورا بعض بداية من حلب بعد الهزيمة مباشرة وصولاً لدمشق بأقل من شهر بـ 26 أيلول 1516 وبنهاية السنة سيطروا العثمانيين على القدس وغزة ونابلس وتم الاعلان ولاية بلاد الشام رسمياً تابعة للسلطنة العثمانية في اسطنبول ببداية عام 1517.


خريطة من عام 1893 لمنطقة بلاد الشام


استمرت السيطرة العثمانية على سوريا قرابة الأربع قرون عاشت فيها سوريا أسوأ فتراتها سياسياً واقصادياً واجتماعياً وثقافياً، فالدولة العثمانية فرضت نظام ضريبي قاسي، انهك الفلاحين، وخلاهن عرضة لاستغلال الإقطاعيين ورجال الدولة، فصار الفلاح السوري يقدّم معظم محصولو للسلطة أو ممثليها، وهاد سبب الفقر ومجاعات ببعض المناطق، ومن أشهر المجاعات اللي صارت مجاعة جبل لبنان عام 1915-1918 اللي كان سببها حصار جمال باشا السفاح بمنعو نقل القمح من الداخل السوري لبيروت وجبل لبنان بالإضافة لتدمير الجراد الحقول، وصف المجاعة المؤرخ فيليب حتي بـ "محرقة بشرية صامتة"، سببت مقتل قرابة 200 ألف، وصار مجاعة بسبب الفساد والفقر والجفاف في حلب وحمص عام 1870 وعام 1871 اللي مات فيها عشرات الآلاف، وغيرها كتير.


وصلت الحال عند السوريين لأول مرة بتاريخهن أنو ياكوا أوراق الشجر والحيوانات النافقة، ووثّق هي الأحداث بمذكرات معاصرين متل أمين الريحاني وميخائيل نعيمة.


صورة من جبل لبنان فترة المجاعة عام 1915


كان يجبر العثمانيين الشباب السوريين على الخدمة العسكرية، وبمناطق بعيدة، وهاد المعروف باسم السَفَر بَرلِك (Seferberlik)، سببت مقتل حسب المؤرخين السوريين عبد الكريم رافق ونقولا زيادة نحو 250 ألف لـ 300 ألف من كامل بلاد الشام تم تجنيدهن قصراً ونقلهن لأصعب وأبعد الجبهات متل جبهة القوقاز ضد الروس، غاليبولي (الدردنيل) ضد الحلفاء، ومنهن ماتوا قبل ما يصلوا حتى بسبب قلة الأكل وسوء اللباس بالشتا، وانتشار الأوبئة بين الجنود، وتنفيذ إعدامات ميدانية وقت كانوا يحاولوا يهربوا.


رسم تقريبي لاعدام جنود حاولوا الهرب من الجيش العثماني


خلال الحرب العالمية الأولى، نفّذ جمال باشا السفاح حملات اعتقال وإعدام واسعة بحق النخب السورية بتهمة "الخيانة" أو "التآمر مع الحلفاء". أبرزها إعدامات 6  أيار 1916 في دمشق وبيروت، وقت أُعدم نخبة من المثقفين والوطنيين، متل: عبد الحميد الزهراوي، شكري العسلي، رفيق رزق سلوم، عبد الكريم الخليل، عمر حمد، واعتبر هاد اليوم عيد للشهداء بسوريا ولبنان قبل ما تلغيه سوريا عام 2025. تفاصيل أكتر عن عدامات جمال باشا السفاح بـ (مقال: يوم الشهداء السوري)


جمال باشا السفاح


بأواخر القرن 19 وبداية القرن 20، فرضت السلطنة سياسة التتريك على سوريا فحاربوا العثمانيين اللغة العربية بالمدارس، وسكّروا الصحف، واعتقلوا ناشطين في الجمعيات متل المنتدى الأدبي والفتاة ولاحقوا الكتاب والنشطاء المعارضين ألهن ومنهن عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب "طبائع الاستبداد"، ولاحقوه لمصر وقتلوه بالسم.


الكاتب والمفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي


سوريا خلال حكم العثمانيين شهدت قمع ثقافي، واستنزاف اقتصادي، ومآسي إنسانية واسعة كانت فيها مدن وبلدات سوريا مسرح للتجويع والإعدامات والتجنيد القسري.


ارتكبت الدولة العثمانية فظائع بحق كل الشعوب اللي خضعوا لسيطرتها خاصة بالقرنين الأخيرين من عمر السلطنة، وصارت عبء حتى على الأتراك نفسهن اللي ثاروا ضدها، وضد سلطانها، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك اللي أنشأ "الجمعية الوطنية الكبرى" في أنقرة عام 1920 لتكون حكومة بديلة، وبعد ما سيطر أتاتورك على كامل الأناضول عام 1922 أعلن البرلمان بـ 1 تشرين التاني من نفس العام "إلغاء السلطنة العثمانية" اللي كان آخر سلاطينها محمد السادس وحيد الدين، اللي غادر إسطنبول في 17 تشرين التاني 1922 على متن سفينة بريطانية للمنفى. وهيك انتهى رسمياً عهد السلاطين العثمانيين بعد أكتر من 623 سنة وأعلن مصطفى كمال أتاتورك رسمياً قيام الجمهورية التركية بـ 29 تشرين الأول عام 1923 وبداية عهد جديد لتركيا وكل دول المنطقة.


احتفال الأتراك بقيام الجمهورية التركية ونهاية الدولة العثمانية


المفارقة اليوم أنو نشوف سوريين بيتنكروا لكل فظائع الاحتلال العثماني متناسين كل مآسي أجدادهن، وعم يساهموا بتشويه نضال رموزهن، وتخوين شهدائهن، وتزوير التاريخ لصالح محتلهن وقاتلهن، بوقت الأتراك أنفسهن بيحتفلوا بنهاية الدولة العثمانية وذكرى السنوية لإعلان أتاتورك قيام الجمهورية التركية.

المصادر:

(1) مقالة سوريا العثمانية موقع ويكيبديا

(2) كتاب فيليب حتّي، "تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين"

(3) Lebanon’s dark days of hunger: The Great Famine of 1915-18 نسخة محفوظة 12 يونيو 2018 على موقع واي باك مشين.

(4) مقالة إريك يان زورشر "الهروب العسكري في أواخر الإمبراطورية العثمانية" من كتاب "الشجاعة في العجلات: الاعتراض الضميري"

(5) مقال "الكواكبي.. مصلح كبير قتلته "طبائع الاستبداد" (الجزيرة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق