معرة النعمان والولادة من الركام

تضم واحد من أشهر ثلاث متاحف متخصصة بالفسيفساء في العالم




معرة النعمان تاني أكبر مدينة في محافظة ادلب بعد مدينة ادلب، أقدم آثار موجودة في المعرة بترجع للقرن التاني قبل الميلاد.

اسمها الحالي مشتق من الكلمة الآرامية اللي بتعني الكهف ܡܥܪܗ (معرة)، أما لقب النعمان فهو نسبة للصحابي نعمان بن بشير الأنصاري، واللي كان والي على حمص وقت توفى ابنو خلال مرورو بالمدينة فأقام فيها من زعلو عليه لعدة أيام فتم نسب المدينة على اسمو، ومحتمل أضافة لقب النعمان من أسبابو تمييز المدينة عن مدن وضيع سورية كتيرة ببلش اسمها باسم "معرة" متل معرة مصرين ومعرة صيدنايا.

سمى الصليبيين معرة النعمان باسم مارَّ والأغريق آرّا وهي الأسماء مشتقة من الاسم الحقيقي الآرامي معرّة.

كان لموقعها المميز الفضل بنموها واستقدام الإنسان القديم مشان يقيم فيها وخصوصاً أنها موجودة بمنطقة خصبة جداً وطبيعتها الجيولوجية مميزة، وكانت المدينة محطّة مهمة للقوافل اللي بتمر من جنوب سوريا الطبيعية لشمالها وبين باديتها لبحرها.

كمان كان لموقعها نقمة كبيرة عليها فعاشت المدينة أحداث كبيرة وتعرضت لغزوات كتيرة بداية من الآشوريين مروراً بالفراعنة واليونانيين والفرس والرومان والبيزنطيين والعرب والعثمانيين، وكان لموقعها المركزي دور مهم، فهي مجاورة لمملكة إيبلا وموجودة بين مملكتين مهمتين بين أفاميا جنوبها وقنسرين شمالها.


احتل المدينة البيزنطيين عام 968 تلاهن الفاطميين في عام 996 بعدها تعرضت المدينة لأبشع المجازر اللي عرفها التاريخ وعاشت أسوأ لحظة في تاريخها بـ 12 كانون الأول عام 1098 وقت الحملة الصليبية الأولى، فبعد ما نجح الصليبيين بحصار أنطاكية بقيادة ريموند تولوز وبوهيموند الأول وصلو المعرة واجتاحوها ودمرو أسوارها وقتلو 20 ألف من سكانها، والمشهد الأسوأ كان بأكل الجنود الصليبيين الجوعانين جثث سكانها وخاصة أطفالها اللي تم شوائهن، وهاد الكلام دونه مؤرخين معاصرين متل فوشي دو شاتر وهو قس شارك بالحملة الصليبية.

ابن الأثير حكى عن المذبحة وذكر أنو بعد ما صار اختراق بجزء من سور المدينة دخلها الفرنجة، واستمرت عمليات القتل بالمدينة 3 أيام وانقتل أكتر من 100 ألف من سكانها واعتدى الجنود على آلاف من نساءها، وبقيو بالمدينة 40 يوم قبل ما يتوجهو لحمص.

بتقرير بمجلة «لوبوان» (Le Point) الفرنسية للكاتبان فريديريك لوينو وجويندولين دوس سانتوس انذكرت تفاصيل عن المجزرة انو المدينة بفضل سورها والخندق المحيط فيها قدرت تصمد وتقاوم 20 يوم، بس مع ازدياد البرد والجوع زاد الصليبيين هجماتهن وشراستهن، وقال فوشي دو شاتر: "ما بقدر أصف الحدث بدون ما احكي برعب على الشي اللي كنا منعملو، كنا نقطع قطعة أو قطعتين من جثة واحد من المسلمين مشان نشويها وناكلها بس كان في مننا اللي ما بيقدر يستنى الطبخ فكان ينهش لحم الجثة بأسنانو الوحشية فوراً". 


بـ 11 كانون الأول قدر الصليبيين النط من فوق السور فتراجع المدافعين لوسط المدينة، وضلت المعارك طول الليل. باليوم التالي، 12 كانون الأول 1098، خبر زعماء المدينة بوهموند أنو مستعدين للتفاوض، فوعدهن بالحفاظ على أرواحهن إذا استسلمو فورا، وبالفعل استسلمت المدينة بس بوهمند خان العهد، وبلحظة استسلام أهل المدينة وتسليم أسلحتهن بلشت المجزرة الرهيبة، وانقتل كل سكان المدينة، ووفق السجلات فعدد ضحايا المجزرة 20 ألف.

وصف واحد من الجنود الصليبيين، واسمه رودولف دي كاين: "في معرة النعمان، غلى جنودنا الوثنيين بالطناجر، وحولنا لحم الأولاد لأسياخ لناكلها مشوية". وحسب كتّاب التقرير الفرنسيين أنو ما كان الجوع وحده سبب أكل لحوم الضحايا كان محاولة للحطّ من قيمة الضحية واعتباره في مرتبة الحيوان كمان.

تدمرت المدينة بشكل كامل وانحرقت بيوتها كلها وما ضل أي أثر لسورها بس بعد سنين من الحادثة رجعت تنمو وتستعيد مكانتها شوي شوي بعد دخول الأيوبيين بقيادة عماد الدين زنكي عام 1135 ورغم الأحداث الكبيرة اللي عاشتها المدينة من احتلال وتحرير ونهوض وسقوط ارتبط اسمها بشاعرها اللي ولد وتوفي فيها، أبو العلاء المعري (توفى 1057).

 بعام 1832 استولى عليها إبراهيم محمد علي باشا المصري وأمر بتجنيد الصغار والكبار وتسخير أهلها بالأعمال الشاقّة وهاجم جنوده المدينة واعتدو على سكانها سرقو محلاتها وضلت تحت سيطرة ابراهيم محمد علي باشا لبين ما رجعت المدينة لسيطرة العثمانيين عام 1840.

بعام 1918 انضمت تحت لواء الحكومة العربية ودخلها الفرنسيين عام 1920 وصارت مع باقي سوريا جزء من الانتداب الفرنسي.


رغم كل اللي عاشته المدينة فيها مباني أثرية صمدت، ومنها خان مراد باشا اللي بناه مراد جلبي أمين الخزائن السلطانية بعهد العثمانيين ليكون استراحة وخان للمسافرين عام 1595، وتحول اليوم لمتحف المعرة اللي بشكل أكبر متحف فسيفساء في سوريا وواحد من أشهر 3 متاحف فسيفساء بالعالم.

متحف المعرة (خان مراد باشا)

بتضم المعرة كمان قلعة المعرة والمدرسة النورية ومساجد مهمة متل الجامع الكبير ومسجد نبي الله يوشع وغيره وفيها مكتبة أثرية بترجع للعهد الإسلامي باسم مكتبة ابن الشحنة، وبتضم مركز ثقافي كبير انبنى بأربعينيات القرن الماضي جنب ضريح أبو العلاء المعري وتحول لواحد من أبرز المزارات السياحية بالمدينة.

الجامع الكبير بالمعرة

في عام 2012، شهدت مواجهات كبيرة بين المعارضة وقوات الجيش السوري خلال الحرب الأهلية السورية وسببت المواجهات دمار كبير بالمدينة وسيطرت جبهة النصرة على المدينة وضلت تحت حكمهن حتى عام 2020 ورغم تعرض المدينة لأضرار كبيرة ومتحفها لقصف ألا أنو الأثار واللوحات الأثرية أغلبها كان بخير بفضل أهالي المعرة اللي حمو المتحف من السرقة وحطو سواتر رملية واستخدمو طرق علمية لتغطية لوحات بالرمال، بالإضافة أنو خبو الأثار واللوحات المهمة بقبو سري تحت المتحف.


معرة النعمان بعد كل شي عاشته عنا ثقة أنو رح ترجع تقوم من جديد بعزيمة أهلها وحبهن الها وهنن المشهورين بصناعة الفسيفساء والموزاييك الحديثة وهنن اللي كانت تصلهن  لوحات فسيفساء أثرية مشان يرمموها. 

المعرة هي مثال مصغر عن سوريا بتاريخها الكبير وشعبها المبدع وحبو للحياة.

المصادر:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

after_content

after_title