الوحدة مع مصر وبداية الضياع السوري
الوحدة مع مصر بداية الضياع للهوية السورية واللبنة الأولى لصعود حكم العسكر
بعد خروج الفرنسيين من سوريا عام 1946، بلش السوريين يحاولوا يبنوا دولتهن الحديثة، بس الخلاف كان واضح بين التيارات السياسية والفكرية يلي كانت عم تتشكل بهديك الفترة.
بحلب مثلاً، كان أتباع الفكر السوري القومي إلهن تأثير واضح ومسموع بجميع أرجاء المجتمع الحلبي، سواء بين التجار أو المثقفين والطلاب، متأثرين أغلبهن بأفكار أنطون سعادة، معتبرين “سوريا الطبيعية” أمة قائمة بذاتها، إلها تاريخها وهويتها الممتدة من الفينيقيين للآراميين، ومن بلاد الرافدين لساحل المتوسط، مؤمنين بفكرة إنو الوطن مو بس لغة مشتركة، وإنو عماد بناء الأمة الموحدة أساسو الأرض والتاريخ الثقافي المشترك، وإنو العروبة فكرة سياسية دخيلة وهشّة.
ومن أهم الشخصيات يلي ساهمت بنشر أفكار القومية السورية بحلب، إبراهيم يوسف الشمّاس، عادل عيسى، أديب الصايغ، إلياس جريج، وعبد الله سعادة أخو أنطون سعادة، يلي كان يتردد على حلب بهداك الوقت، لأنو كان يشوفها العاصمة الفكرية لتوحيد الأمة السورية تحت المشروع القومي .
بالمقابل بدمشق، الفكر العروبي نشأ بظروف مختلفة، بعد سقوط الدولة العثمانية وبداية الانتداب الفرنسي، عاشت النخبة الدمشقية فراغ سياسي كبير بعد سقوط فكر الخلافة يلي كانت دمشق دايماً تلعب دور محوري فيه، لهيك صاروا النخب يدوروا على فكرة بديلة ينجمع الناس تحت رايتها، وهون طلعت فكرة "الوحدة العربية" كبديل عن الاحتلال وكحلم جامع يوحّد الشعوب المتحدثة بلغة مشتركة.
بس هالفكرة كانت مبنية على أساس هشّ، لأنها تجاهلت كل عوامل بناء الأمة السليمة، وما طلعت من واقع سوري متماسك، بل من حاجة نفسية وسياسية بعد الاستعمار.
من هون بلّش الفكر العروبي يكبر بالشعارات والوجدان، مو بالعقل والتنظيم، وصار جزء من هوية دمشق السياسية، خصوصي مع ظهور حزب البعث سنة 1947، يلي حوّل الفكرة لحركة أيديولوجية رفعت شعار "الأمة العربية الواحدة" بدل "الوطن السوري".
بهالجو المتناقض بين الفكر السوري بحلب والفكر العروبي بالشام، صار الحدث يلي غيّر وجه البلد. بنيسان 1955 اغتيل العقيد عدنان المالكي بملعب الفيحاء بدمشق على إيد عضو من الحزب السوري القومي الاجتماعي، الاغتيال عمل صدمة كبيرة، وتم استغلالو سياسياً لقمع الفكر القومي السوري، وفتح باب واسع قدام التيارات العروبية لتسيطر أكتر على الجيش والسياسة، ومن وقتها صار الصوت العروبي هو الغالب، وبلش الحديث عن "الوحدة العربية" كأنها الحل لمشاكل البلد.
وبشباط 1958 تم اعلان الوحدة بين سوريا ومصر، وصارت سوريا "الإقليم الشمالي" من "الجمهورية العربية المتحدة"، وفقدت استقلالها الحقيقي، بعد ما صار القرار مركزي بإيد القاهرة.
الوحدة مع مصر دقّت أول مسمار بخاصرة سوريا، ومن هداك الوقت لليوم ما عاشت سوريا ولا ساعة وحدة من الديمقراطية.
قبل الوحدة كانت سوريا بلد عندها حياة سياسية حقيقية، في برلمان منتخب، وأحزاب بتتنافس، وصحافة حرّة، ونقابات فعّالة.
من سنة 1946 لحد 1958، مرّت سوريا بتجارب ديمقراطية قصيرة بس حقيقية من انتخابات، وحكومات بتتبدّل، وصوت عالي للشارع والصحافة، صحيح إنو الجيش كان عامل ضغط، بس رغم هيك كانت المؤسسات المدنية عم تشتغل بحرية تامة.
الوحدة مع مصر مسحت كل هالشي من الساعة الأولى، وعطت السلطة الكاملة لجيش عبد الناصر يلي كان يدير البلدين بالعسكر، بعد ما حلّ الأحزاب وألغى البرلمان السوري، ووحّد الأجهزة الأمنية تحت سلطتو ومن القاهرة، فتحوّلت سوريا رسمياً لـ"الإقليم الشمالي" من الجمهورية العربية المتحدة، وصار الحكم يندار من مكتب عبد ناصر ومستشارينو المصريين.
السياسيين السوريين يلي آمنوا بالوحدة أولاً، اكتشفوا بعد شهور إنو البلد انبلعت داخل نظام مركزي بيمنع أي صوت مستقل، وبفترة قصيرة، انتهت التجربة الديمقراطية السورية بالكامل، البرلمان انلغى، الأحزاب تفككت، والنقابات خضعت، وانكمش صوت الشارع.
بعام 1961 نفذ الضابط عبد الكريم النحلاوي انقلاب عسكري على الوحدة بعد ما زاد التململ الشعبي منها ومن سياسات عبد الناصر السياسية والاقتصادية، ونجح بالانقلاب مع 36 ضابط بس، ورغم هيك ما قدرت سوريا ترجع للحياة السياسية الطبيعية، لأنو الجيش صار هو اللاعب الوحيد والمتحكم الأول بإدارة البلد مع تغلغل البعثيين في الجيش، وهيك انفتحت الطريق للانقلابات يلي بعدها.
بـ آذار 1963 استلم حزب البعث الحكم، وكمّل مشروع العروبة بشكل جديد، بشعار "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، واللي أسّس من بعدو لأسوأ حقبة مرت بتاريخ البلد، وقت احتل حزب البعث سوريا بقيادة حافظ الأسد وورّت البلد من بعدو لأبنو بشار.
نحن اليوم بهي المرحلة الجديدة من سقوط البعث والانظمة الديكتاتورية العربية اللي احتلت البلد، لازم ندرك أنو خلاص سوريا ما بيجي من شعارات ولا من وحدة على الورق، ولا من حزب أجنبي بيحكي باسم الأمة، وخلاص سوريا بيبلش وقت نعرف مين نحنا بالأصل، وشو هي قضيتنا الأولى، ولما منعرف نعرّف حالنا بمسمانا الحقيقي، ونعرف حدودنا التاريخية حتى لو ما قدرنا نسترجعها، لأنو مجرد الوعي بالحدود ممكن يكون بفترات معينة أهم من امتلاكها.
سوريا الطبيعية مو بس خطوط على خريطة، هي تاريخ وثقافة وعادات ولهجات، وهي يلي بتخلينا نعرف حالنا ونحافظ على يلي بقي منا.
ووقتنا نرجع نفهم حالنا ونحط حالنا بمكاننا الحقيقي، منرجع من أول الطريق، ومنبلّش نبني وطن بيعرف حالو، وبيعرف ليش موجود.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق