سوريا والعبء العروبي
من قلب العروبة إلى البحث عن الذات: أثر البعث في تغييب الهوية السورية
أكتر من ستين سنة من حكم البعث لسوريا، سببت أثر بالغ على البنية الفكرية والثقافية بهاد البلد، هي الحقبة ما كانت مجرد فترة سياسية، فسوريا خضعت لمشروع أيديولوجي هدف لإعادة تشكيل الوعي الجمعي للسوريين ضمن إطار قومي عربي، والنتيجة تغييب لمفهوم الهوية الوطنية السورية لصالح هوية عروبية متخيلة، وانتاج جيل مشوش الانتماء بيشوف سوريا جزء من أمّة كبيرة ممتدة من المحيط الأطلسي للخليج العربي، بدل ما يشوف سوريا هي الأمّة والوطن.
تأثير الأيديولوجيا البعثية على الوعي الوطني
اعتمد حزب البعث من لحظة سيطرتو على السلطة على المنظومة التعليمية والإعلامية للترويج لمفاهيم العروبة، وأقصت هي المنظومة الأفكارة الوطنية السورية، فتحولت المناهج لأدوات تعبئة فكرية الولاء فيها للأمة العربية بدل السوريّة، واختزل دور سوريا وعاصمتها دمشق بـ "قلب العروبة النابض"، وهاد التلقين على سنين طويلة سبب غياب الشعور الوطني الحقيقي عند شريحة واسعة من المجتمع السوري حتى بعد انهيار المشروع العروبي نفسو.
رمزية اللغة والتسميات
ممكن نتلمّس أثر الحقبة البعثية في اللغة الرسمية للمؤسسات السورية اليوم. فالتسميات اللي بتشيل الصفة "العربية" لساتها موجودة بقوة بمؤسسات الدولة والمجتمع.
الثورة اللي عم تسقط رموز النظام السابق وشافت بالعلم الأحمر (علم وحدة سوريا ومصر) رمز من رموز هي الحقبة، وراية عم تذكر السوريين بآلة القتل، كيف عم تحافظ اليوم على مسمى "الجيش العربي السوري"؟ وليش الاصرار على الحفاظ على الاسم البعثي بكل الذاكرة تبعيتو لأهم مؤسسة عسكرية في سوريا؟
ليش منظمة الهلال الأحمر السورية هي الوحيدة اللي بتحمل صفة العربية؟ بوقت دول عربية ما شافت ضرورة لوجود هي الصفة بفرع المنظمة ببلدها متل: "الهلال الأحمر السعودي" و "الهلال الأحمر الإماراتي"، أما بسوريا اسم المنظمة "الهلال الأحمر العربي السوري".
الأنكى من هيك أنو المؤسسة الثقافية الأهم للكتاب السوريين اسمها "اتحاد الكُتّاب العرب" يعني حتى اسم سوريا سقط، وهي مؤسسة مقرها دمشق وفروعها بالمحافظات السورية.
"الجيش العربي السوري"، "الهلال الأحمر العربي السوري"، "اتحاد الكتّاب العرب"، وغيرها الكتير من تسميات هي شواهد على استمرارية الرؤية الفكرية اللي عم تشوف سوريا جزء من مشروع قومي عربي، مو ككيان مستقل ألو خصوصيتو وتاريخو وهويتو الخاصة.
العروبة أداة البعث الإيديولوجية
العروبة صارت أداة أيديولوجية استخدمها البعث لترسيخ سلطتو، ورغم أنو الفكرة العروبية في جوهرها كانت بتسعى للتقارب والتكامل بين شعوب المنطقة، وتوحدها بمواجهة الاستبداد العثماني في البداية، ولو كان على أسس غير منطقية، بس تحولت لعقيدة سياسية مقرونة بالقمع وإلغاء التعدد، خلاها عبء على سوريا وحتى على دول المنطقة، واقترنت بالأنظمة الديكتاتورية.
لليوم منشوف قسم من اللي كانوا من أشد المناهضين لحكم الأسد ونظامو البعثي عم يكونوا من أشد المدافعين عن أفكار البعث، وأثارو على المجتمع السوري، وعلى الدولة السورية ومؤسساتها بحالة انفصام غريبة.
نحو هوية وطنية سورية جامعة
إعادة بناء الهوية الوطنية السورية بعد عقود من التلقين الأيديولوجي مو مهمة سهلة، وهاد الموضوع بيتطلب مشروع وطني طويل الأمد بيبلش من إصلاح التعليم، وتحييد الخطاب الرسمي عن الانتماءات الأيديولوجية والطائفية، واستبدالها بخطاب بيعيد الاعتبار للمصلحة الوطنية السورية.
التغيير مو بس للمناهج أو الأسماء، فنحن منحتاج ثورة فكرية بتتولّاها النخبة الثقافية والسياسية، لإعادة ترميم الهوية الوطنية السورية.
وطبعاً بعد أكتر من ستين سنة من التشويه المنهجي للوعي السوري، لازم نتوقع أنو مهمة "تحرير الهوية السورية" وترميمها بشكل كامل بيحتاج صبر وتخطيط صح، وتحمل المسؤولية من النخبة الوطنية السورية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق