هل بلاد الشام مجرد قبائل تعيش في قرى؟

كيف يقلب المبعوث الأمريكي باراك المعادلة فيحول مهد المدن إلى قرى بلا قومية؟



بعبارة "لا وجود للشرق الأوسط" بلش توماس باراك مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية لسوريا واحد من أكتر التصريحات المثيرة للجدل، واللي بتحمل كمية كبيرة من العنصرية والفوقية.


رغم جدلية التسمية الاستعمارية لمنطقتنا بالشرق الأوسط واللي هي تسمية إنكليزية جيوسياسية لمنطقة بلاد الشام والعراق والأناضول وشبه الجزيرة العربية ومصر وإيران، بتبقى هي التسمية هي الأكتر استخداما لمنطقتنا اللي شهدت قيام أهم الحضارات البشرية وأقدمها.


قال باراك عن هي المنطقة أنها منطقة قرى (ضيع) وقبائل وأنو بفضل سايكس بيكو اللي قسمت أراضي الإمبراطورية العثمانية ورسمت حدود وسمتها دول قومية صارت دول، وأنو الشرق الأوسط حسب رأيو مو هيك لأنو الانتماء بيكون للفرد وبعدها للعيلة وبعدها للضيعة بعدها للقبيلة بعدها للمجتمع بعدها الدين، وهاد اللي بتمثلو هي الأمة حسب رأيو (1).


باراك اللي هو من أصول لبنانية وخلال تصويرو لمنطقة أجدادو نسي أنو أول وأقدم المدن بالتاريخ قامت بهي المنطقة، وأنو مفهوم المدينة صار ببلاد الشام والرافدين ومصر حتى قبل ما يصير بفرنسا وبريطانيا للي كانوا قبائل وأبعد عن أنو يأسسوا مدن حضرية.


صحيح إنو في عشائر وقبائل، بس بنفس الوقت، مدن الشام (دمشق، حلب، القدس، بيروت، طرابلس، عمّان...) عمرها آلاف السنين، وهي مراكز حضارة من العصور الفينيقية، الآرامية، اليونانية، الرومانية، والبيزنطية، والإسلامية، ودمشق مثلًا هي أقدم عاصمة مأهولة في العالم، وحلب من أقدم المدن المسكونة، والفرنسيين مو هنن سبب الحضارة أو قيام تأسيس مدن سوريا، فوقت ما دخل الفرنسيين سوريا عام 1920 كان في بنية حضارية مدنية قائمة: مدارس، أسواق، حركة طباعة وصحافة، مساجد، كنائس، مراكز علمية، والفرنسيين ركزوا أكتر على الإدارة الحديثة والبنية التحتية.


بخصوص تأسيس فرنسا وبريطانيا للدول القومية في منطقتنا فالحقيقة بتقول أنو الخرائط والحدود اللي رسمتها سايكس بيكو ما كانت منصفة ومعبرة عن الحدود الحقيقية للشعوب والقوميات وإنما كانت حسب مصالحهن وبتصريح سابق لتوماس باراك قال: "الغرب فرض قبل قرن من الزمن خرائط وانتدابات وحدود مرسومة بالحبر واتفاقية "سايكس بيكو" قسمت سوريا" (2) وهاد اعتراف بأنو سوريا هي المقسمة وأنو الحدود الحالية هي نتاج الأطماع الاستعمارية بأرض سوريا التاريخية، ولتقاسمها بين بريطانيا وفرنسا، وهاد التصريح هو نقيض للتصريح الأخير اللي بشوف أنها مجرد أرض فيها ضيع وبتعيش عليها عشاير بدون وجود أي قومية بتجمع شعبها. 


عدم تعبير اتفاقية سايكس بيكو عن حدود القومية الحقيقية ما بيعني عدم وجودها لهي القوميات، وما ننسى أنو مفهوم الدولة القومية طلع بنهاية القرن 19 ومالو مفهوم قديم وكتير من الدول متل أميركا وكندا وأستراليا ما قامت على أساس قومي ورغم هيك هاد ما لغى وجود خصوصية ثقافية لهي الشعوب تشكلت مع الوقت.


التصريحات الأمريكية العلنية اللي بتحمل الكتير من الفوقية وكتير من التناقض أحياناً بتميز فترات الرئيس ترامب ففي تصريح سابق عن سوريا بولايتو الأولى قال: "سوريا ضاعت وما بقي فيها إلا الرمل والموت" (3)، وهاد تصريح مبالغ كتير عن الوضع السوري وعن سوريا كبلد وترامب نفسو صرح بعدها بفترة: "الشعب السوري شعب عظيم كان لديهم ثقافة رائعة قبل أن تُدمر بشكل مرعب" (4)


التصريحات الأمريكية الرسمية ما بتعبر دائماً عن الحقيقة التاريخية لسوريا ورغم أنو كتير من الأحيان التصريحات انصفت سوريا وكان فيها اعتراف بالظلم التاريخي للأمة السورية، بس كمان كتير من الأحيان كانت السياسة الخارجية الأمريكية عم تتبع أسلوب فوقي عنصري لتوصيف سوريا وشعبها والمنطقة اللي بيتواجد فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق