عقلية الميليشيا تنتصر على فكرة الدولة

خيبة أمل السوريين تتعمق مع تجدد مشاهد الانتهاكات والإذلال في السويداء




عاشوا السوريين صدمة كبيرة بعد مجازر الساحل والانتهاكات الفظيعة اللي رافقتها، واللي ارتكبتها  جهات محسوبة على الأمن العام والجيش الجديد اللي تشكل بعد سقوط النظام. ومضت الأيام ومعها وعود المحاسبة للمسؤولين عن اللي صار، بس بدون أي نتيجة، وهيك فقد كتير من السوريين الثقة بالنظام السياسي الجديد وانصابوا بأكبر خيبة أمل من يوم سقوط النظام بـ 8 كانون الأول 2024.

أحداث آذار وصورها المرعبة جددت حالة الخوف عند شريحة كبيرة من الشعب من المستقبل، وكان ممكن شوي تخفيف الوجع ويرجع شوي الأمل لو صار تعامل جدي مع المتورطين، بس حتى اللجنة المشكلة للتحقيق بأحداث الساحل خلص وقتها بدون ما تقدم أي شي، وكأنها كانت إبرة مخدر بوقتها مو أكتر.

أزمة الثقة بين فئة كبيرة من السوريين مع النظام القائم كان عم يتم تكريسها خلال الأشهر الماضية بعد ما تكررت التجاوزات اللي وصفوها بـ "الفردية"، بالمقابل ما شفنا أي حدا من المتورطين تحاكم أو اعتقل بالعكس، شفنا ترقية لشخصيات متورطة بشكل مباشر بالمجازر لمناصب عليا بالجيش متل حرامي الجاج "أبو عمشة" اللي صار قائد الفرقة 62 في حماة، وسيف الدين بولاد اللي صار قائد الفرقة 76 في حلب.

إجت أحداث السويداء لتزيد الطين بلة، وتعزز الشرخ والاحتقان بالمجتمع السوري، طريقة تعامل الجيش والأمن العام مع الناس كانت نسخة  لأساليب الإذلال اللي كنّا نشوفها أيام نظام الأسد، وتأكيد عن بعد هي المنظومة الجديدة عن عقلية الدولة، وغرقها بالعقلية العشائرية والطائفية والمناطقية.

القوات الحكومية والميليشيات اللي معها ما بيكتفوا بالسيطرة الميدانية على المناطق، فبعد السيطرة بتبلش انتهاكات مرعبة بحق مدنيين، منهن أطفال ونساء وكبار بالسن، الإهانات بتبلش بالإذلال متل إجبار المدنيين على إصدارهن أصوات حيوانات، وكل هاد لتجريد الإنسان من كرامتو متل ما كانت تعمل قوات نظام الأسد، وهي التجاوزات بتوصل مرحلة تصفية ميدانية بدم بارد. وهاد كلو حسب تقارير منظمات حقوقية، وشهادات الناجين، والصور والفيديوهات المسربة اللي بتأكد هاد الشي.

كان كتير من السوريين بيعتقدوا - أو يمكن بيتمنوا - إنو مجازر الساحل اللي صارت بعد 3 أشهر بس من سقوط النظام سببها الفوضى الأمنية وعدم قدرة النظام الجديد على السيطرة على كل الجماعات والميليشيات المسلحة، بس اللي صار بالسويداء خلّى الكل يتأكد إنو هي الأساليب ممنهجة، وهي جزء من طريقة الترهيب والإخضاع لكل حدا بواجه سلطة الأمر الواقع.

بالنهاية، لازم نفرّق تماماً بين شي اسمو "عقلية الميليشيا" السائدة اليوم و"عقلية الدولة" اللي كان السوريين بيتمنوا وجودها، بس اللي عم يصير اليوم هو انتصارات ميليشيات على جثث السوريين، انتصارات شكلية وهمية، وأنهار الدم اللي سالت رح تغرق فيها هي السلطة عاجلاً أم آجلاً. بس للأسف هي الصراعات عم تغذي الفتن الطائفية بسوريا أكتر وأكتر، وعم تسبب جروح صعب تلتئم بالمستقبل القريب، وعم تكرس حالة الانقسام بهاد المجتمع خصوصاً بتحريض أدوات السلطة الإعلامية بشكل مستمر لجمهورها على أي فئة بتناهضها.

مصادر خارجية:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق