من الذي وضع السلاسل في سوريا الأسد؟
سوسيولوجيا الاستسلام من منظور علم النفس الاجتماعي
هالمقال مو جاي يدور عالفاعل، أكتر ما هو بيحاول يفكك الجريمة: مين صمملنا القفص؟ ومين سكّر علينا الباب؟ رح نطل عالقصة من منظور علم النفس الجماعي، ونغوص بأفكار غوستاف لوبون، وروبرت تشالديني، وحنة آرنت، لنشوف كيف بينبنى الاستبداد، مو بس بالسلاح، بل كمان بالإقناع، وبالخطاب، وبقابلية الإنسان يصدق الشي اللي بيريّحو، مو اللي بيحررو.
منظور غوستاف لوبون في سيكولوجية الجماهير
بيتصرف الانسان بطريقة مختلفة جذريا لما بكون منتمي لمجموعة أو جمهور معين، عقله المنطقي بينشل بالعاطفة الجماعية، بيفقد "الشخصية الفردية" والاحساس بالمسؤولية الفردية. التفكير المنطقي المستقل بيضعف والعواطف بتسيطر والنقد بيختفي، بهالضباب العاطفي بصير الإنسان هش وقابل للتأثير قدام الرموز القوية، والخطاب المسرحي، والشعارات المبسطة والتكرار.
لوبون كمان حكى عن العدوى العاطفية، كيف الخوف والغضب والحماس والكراهية بتنتقل بسرعة بين الناس وبتطغى عالمنطق. تحت هي الظروف بتكون الجماهير ضايعة وبالفطرة بتدور على قائد قوي يوجهها وغالبا بصير بعيونهن بطل أو شبه إله بعد ما يعطي الجمهور التائه هوية ومعنى.
استغل حافظ الأسد بسنين حكمو الأولى هالصفات (ضياع الهوية، العدوى العاطفية، قابلية التأثير، الحاجة لزعيم) واشتغل على صورة الإستقرار الدائم و مواجهة المؤامرات الخارجية قدام جمهور تعبان من الإنقلابات العسكرية ومستاء من أطماع إسرائيل بالجنوب السوري.
شفنا مثلا الجماهير اللي كانت تنزل بمسيرات مرتبة و تردد شعارات لليوم محفورة بروسنا كسوريين مثل بالروح بالدم، صوره بكل مكان، اقوال وخطابات عالتلفزيون وبكل صف.
الناس شاركت، بس مو دايما من الخوف، بس لأنو الجو العام خلاهن يصدقوا ويحسوا بالإنتماء. هالأسلوب نفسه اتبعو بشار خطابات ناعمة، تمجيد بالإعلام وترسيخ صورة انو هو الوجه الشاب و الأمل الجديد لسوريا.
منظور روبرت تشالديني والمبادئ الستة للإقناع
تشالديني حدد ست مبادئ بتخلي الإنسان يقتنع بسهولة ويطيع ويصدق بدون سلاح وتهديد، المستبدين بكل مكان بوظفوا هالمبادئ بذكاء، أو حتى بشكل غريزي مو شرط بذكاء. رح نتطرق لهي المبادئ سوا ونحاول نعطي مثال من الواقع السوري:
مبدأ المعاملة بالمثل (Reciprocity): النظام بيعطي خبز مدعوم و تعليم مجاني وخدمات صحية بحسسك انك مدين الو بشي. بصير صعب عليك تنتقد حدا مفضل عليك وقدملك كتير. طبعا هالمبدأ الو عدة اشكال حسب الزمان والظروف، مثلا "أنا عطيتكن أمان ووظايف ورخصة عيش وحمينالكن البلد من الفوضى، هلق اجا دوركن توقفوا معنا".
مبدأ الإلتزام والثبات (Commitment & Consistency): صعب كتير عالإنسان يغير موقفه إذا أعلن ولاؤو مرة، يمكن لحتى ما يبين متناقض لهيك مجرد ما أعلن موقف معين بحس بالحاجة النفسية للإستمرار. مثلا المشاركة بمسيرة للنظام أو رفع شعار معين هو موقف بحد ذاتو. لما تعمل هيك مرة، بتكمل فيها، حتى لو مقتنع مية بالمية بس مشان تكون ثابت.
مبدأ ضغط المجتمع (Social Proof): بالعامية يعني المسايرة، إذا الكل عم يعمل هالشي، معناها أنا لازم أعمل نفس الشي "شو عراسي ريشة؟". تلفزيون النظام كان دايما حريص انو يعرض جماهير كبيرة عم تهتف وتصفق وتبكي لبشار وأبوه من قبلو. بهالحالة حتى لو ما كنت مقتنع فيه شخصيا، بتصير تفكر انو يمكن عنجد هو زعيم كويس و محبينو كتار.
مبدأ السلطة (Authority): البدلة الرسمية والبدلة العسكرية والخطابات قدام البرلمان ودعم المشايخ والقساوسة بيعطي انطباع أنو فوق الكل وبيفهم بكلشي، خبير السياسة والاقتصاد والدين، القائد المتزن بوجه الفوضى. بصير سهل عليه الاقناع لأنو الناس ميالة لتصديق أصحاب المناصب والخبرة والكاريزما.
مبدأ الإعجاب أو الإستلطاف (Liking): ركزت الدعاية الإعلامية بالبداية انو تصور بشار الشاب الهادي المثقف الدكتور المحب للتكنلوجيا الحديثة لتخلق صورة انو هالشخص مستحيل يكون استبدادي "هاد منا وفينا". الناس بصدقوا اللي بحبوه أو اللي بيشبههن، اللي بيحكي لغتهن وعندو نفس العادات والتقاليد تبعهن، صلاة العيد وافطارات جماعية وزيارة الفلاحين بأراضيهن و تمشاية المسا لياكل صندويشة شاورما هو وعيلتو كلها أمثلة لتطبيق هالمبدأ.
مبدأ الندرة أو لا بديل (Scarcity): صور النظام نفسه على انو الحاجز الأخير بين الإستقرار والإرهاب ونجح انو يغرس هالسردية بالوعي العام وحتي برات سوريا هالسردية لاقت قبول معقول سواء كان بالتمانينات أو بعد 2011 الشعار كان واحد، الأسد أو بتروح البلد للهاوية.
المستبدين نتاج بيئتهم
بالمحصلة نظام الأسد كان مجرم و مستبد بس ما عمل هالشي لحالو بكتير احيان نحنا ساعدناه يحط السلاسل علي رقابنا ورقاب اخوتنا من دون وعي. بتحكيلنا حنة آرنت (Hannah Arendt) عن فكرة "اعتيادية الشر (banality of evil)" بالأنظمة الشمولية، يعني الإستبداد ما بضل شي غريب بصير جزء من الروتين اليومي بحياة الموظف والمعلم و الصحفي ... الكل بصير متل برغي بآلة كبيرة، ما حدا مهتم شو عم تعمل هالآلة، أهم شي انو هو معبي مطرحو. قليلين اللي بآمنوا عن قناعة بشخصية او نظام معين، بس الأغلبية الباقية ماشيين مع التيار بس.
أكيد ما فينا نتكبر ونقول انو جيل أجدادنا ما عمل شي ليوقف هالاستبداد من انو يتغلغل بكل زوايا المجتمع السوري أو ما كان مثقف بشكل كافي، بالعكس تماما، غالباً الجيل اللي عاصر الستينات والسبعينات كان مثقف وملم سياسيا اكتر من الجيل الحالي ومع هيك حافظ الأسد قدر يستغل كل ضعف بالمجتمع السوري بهديك الفترة من تفكك المعارضة للإنقسام الطائفي للخوف من الفوضى ونجح بتأسيس واحد من أقسى الأنظمة الشمولية بالشرق الأوسط.
كسر الحلقة
طيب شو فينا نعمل لنتجنب الانزلاق باتجاه سوريا الأسد مرة تانية؟. كل ما سبق مجرد تنظير وأبدا ما مندعي أننا حكماء وعندنا الحل لنمنع الجماهير من انو تساعد بخلق استبداد جديد، بس الفكرة الوحيدة اللي حابين نوصلها انو يصير في إدراك للخداع السياسي وهي الخطوة الأولى للتحرر، والحرية ضروري تنحمى مو بس من السلطة الحاكمة كمان من العقلية الجماعية اللي بتخلق الطغيان، عقلية تمجيد الأشخاص وعقلية التأييد المطلق للسلطة.
وهون لازم نسأل حالنا سؤال، نحنا فعلا حابين نخلق جو ديمقراطي حقيقي؟ ولا المهم سلطة "منا وفينا"؟
إذا بدنا نخلق جو ديمقراطي حقيقي، بيمنع تكرار أغلاط الماضي، لازم نقتنع إنو وجود معارضة فعلية دايماً ضروري، لأنو الطبقة الحاكمة ما رح تجي تقلك: "تفضل شاركني بالسلطة"، وهون أكيد لازم ننوه انو في فئة بتعارض بس لأنها بتتمنى فشل السلطة لأنو ببساطة مو حابينها، هاد ابدا مو مثال المعارضة اللي حابين نشوفو، حابين يكون في معارضة شريفة بتثني عالخطوات اللي بتشوفها صحيحة وبتعارض وبتنتقد بشفافية وصراحة التصرفات اللي بتشوفها سيئة، هيك بنخلق حلقة رقابة دائمة بتضل تراقب السلطة وتمنعها تفلت.
في كتير وسائل بتساعد بالمشاركة السياسية والمعارضة متل الصحافة الحرة والصادقة، الكتابة النقدية والصريحة، تنظيم اجتماعات ونشاطات سياسية ومدنية، حركات ومبادرات شعبية. هالشي مو ترف، هاد ضرورة. هيك بنتعلّم نحكي، نطالب، ونراقب يلي بإيدو السلطة بدل ما نرجع نعبده.
رائع
ردحذف