ماذا تبقى من الحزب السوري القومي الاجتماعي؟

لماذا لا يتنازل السوريون القوميون عن كراسيهم؟




بتذكرني هي المعضلة الاجتماعيّة باللي حكى عنو علي حرب في كتابو الإنسان الأدنى، وقت قال إنّ مشكلة البنية الفكريّة للإنسان هي أنّها تستبدل أشياء بأشياء، فبالرغم من أنو المشكلة مو يأنو نزيح الله مشان نقدس الإنسان، أو أنو نتاجر بالحقيقة بدل الشريعة، أو نؤله الليبرالية بدل الاشتراكية، أو نتعبد بالديمقراطيّة بمواجهة الأنظمة الديكتاتوريّة. المشكلة بالأساس يتتلخّص في منطق التقديس والتبجيل للأشياء والذوات، فهاد الذي بولد فينا كل هاد الاستبداد والاستلاب ، والخراب اللي عمنعيشو.

بس، ليش نحن مو قادرين على تداول السلطة لا في كياناتنا ولا في مؤسساتنا ولا في أحزابنا ...؟. بجيبنا آلان دوبوتون في كتابه "قلق السعي إلى المكانة" بأننا مبتلين بانعدام اليقين والثقة اتجاه قيمنا الخاصة.

لهيك منستبدل قيمنا بأشخاص وزعماء، منستبدل مصالحنا بشعارات وأوهام، وجبران، بقول: "كلنا تهنا ولكن لم نر من تيهنا إلا القافلة ونسينا الطريق"؛ غالباً مندخل نفق القلق والحزن بإرادتنا، وقت منسلم أنفسنا لأيديولوجيات عفا عنها الزمن. فنحن تجاوزنا فترة إشعاع الإيديولوجيّتين القومية والاشتراكية.

الحزب السوري القومي الاجتماعي متل غيرو من الأحزاب السوريّة انتهى، وأكبر دليل على هاد الشي هو تغول الشخصيات، فالانتماء للشخص أعمق من الانتماء للمؤسسة، والولاء للرمز أكبر من الولاء للعقيدة.. و.كل هي الفوضى ، هي عبارة عن تخبطات الموت.

فاليوم، للقومي رئيسبن حزب، مجلسبن أعليبن، مجلسين عُمد، مكتبين سياسيين، مُنفذين اتنين في الكتير من المناطق، دعاوي قضائية في لبنان، تقارير متبادلة أغرقت الأجهزة الأمنية السورية، تبادل اتهامات باقتحام المراكز...فحردان يطبق الساتي مع الحزب المتآكل مؤسساتياً والمتهالك فكرياً والهش تنظيمياً.




وهي النتيجة مو مستغربة النا، فالقوميين الاجتماعيين ما انتبهو على أنو المعرفة بناء، وأنو عناوين كتبهن ومقالاتهن المحشوة باقتباسات لسعاده ولحياته ولآرائه، ما بخلي منها معرفة قومية قهراً، وهي ما بتكون اكتر من سطو واجترار. وأصل هاد الخلل عدم التمييز بين الرغبة في صناعة مدرسة بناء على التراكم والخلق و الإنجاز، وبين إعادة إنتاج معرفة حصرية على ضوء منطلقات محنطة.

سوريا بتحتاج فكر قومي مستمد من فكر سعادة لا امتداد لسعاده.

بتحتاج أمتنا خارطة جديدة، ومنطلقات أكتر واقعية. لأنو ما عاد مقبول أنو نوقف الأيديولوجية للسياسة بالمرصاد، بتراقبها ، وبتحكم عليها ، وبتوجهها، فلا محرّك للسياسة إلا مصالحنا.

بتحتاج بلادنا فكر ما بتمركز حول زعيم وشخصيات مستنسخة عنو.  فنحن في غنى عن رسول جديد، وعن كتاب سماوي جديد بس، القوميين الاجتماعيين غارقين بالتصنم الأيديولوجي، وما ممكن المراهنة على قدرتهن في الخروج من الشرنقة.

في الغرب، سلك الدين كالمجتمع، كالسياسة، مسيرة نزع السحر؛ فصارت كلها بتمثل بنى منسية، وما عاد ينسمح بتكريس الوهم، أو بتجسيد لحتمية معرفية، بتقيد الفكر، وبتقيد الواقع، فالمستقبل من صنيعنا نحن. ومالنا مجرد أدوات لتحقيق غايات غيرنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

after_content

after_title